فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في الحق تأويلان:
الأول: قال أبو مسلم المراد أن هذا الذي أنزلت عليك هو الحق من خبر عيسى عليه السلام لا ما قالت النصارى واليهود، فالنصارى قالوا: إن مريم ولدت إلها، واليهود رموا مريم عليها السلام بالإفك ونسبوها إلى يوسف النجار، فالله تعالى بيّن أن هذا الذي أنزل في القرآن هو الحق ثم نهى عن الشك فيه، ومعنى ممتري مفتعل من المرية وهي الشك.
والقول الثاني: أن المراد أن الحق في بيان هذه المسألة ما ذكرناه من المثل وهو قصة آدم عليه السلام فإنه لا بيان لهذه المسألة ولا برهان أقوى من التمسك بهذه الواقعة، والله أعلم. اهـ.

.قال أبو السعود:

والتعرضُ لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطَبِ لتشريفه عليه الصلاة والسلام والإيذانِ بأن تنزيلَ هذه الآياتِ الحقةِ الناطقةِ بكنه الأمر تربيةٌ له عليه الصلاة والسلام ولُطفٌ به. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} يجوزُ أنْ تكونَ هذه الجملةُ مستقلةً برأسِهَا والمعنى أنَّ الحقَّ الثابت الذي لا يضمحلّ هو مِنْ ربك، ومن جملةِ ما جاء مِنْ ربكَ قصةُ عيسى وأمُهُ، فهو حقٌّ ثابتٌ.
ويجوز أن يكون {الحقُّ} خبرَ مبتدأ محذوفٍ أي: ما قَصَصْنَا عليكَ من خبرِ عيسى وأمه، وحُذِفَ لكونه معلومًا. و{مِّن رَّبِّكُمْ} على هذا- فيهِ وجهانِ:
أحدهما: أنه حال فيتعلق بمحذوف.
والثاني: أنه خبر ثان- عند من يجوز ذلك وتقدم نظير هذه الجملة في البقرة.
وقال بعضهم: {الحق} رفع بإضمار فعل، أي: جاءك الحق.
وقيل: أنه مرفوع بالصفة، وفيه تقديم وتأخير، تقديره: من ربك الحق. اهـ.

.قال الفخر:

الامتراء الشك، قال ابن الأنباري: هو مأخوذ من قول العرب مريت الناقة والشاة إذا حلبتها فكأن الشاك يجتذب بشكه مراء كاللبن الذي يجتذب عند الحلب، يقال قد مارى فلان فلانًا إذا جادله، كأنه يستخرج غضبه، ومنه قيل الشكر يمتري المزيد أي يجلبه. اهـ.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {فَلاَ تَكُنْ مّن الممترين} خطاب في الظاهر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا بظاهره يقتضي أنه كان شاكًا في صحة ما أنزل عليه، وذلك غير جائز، واختلف الناس في الجواب عنه، فمنهم من قال: الخطاب وإن كان ظاهره مع النبي عليه الصلاة والسلام إلا أنه في المعنى مع الأمة قال تعالى: {يا أيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء} [الطلاق: 1].
والثاني: أنه خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام والمعنى: فدم على يقينك، وعلى ما أنت عليه من ترك الامتراء. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَلاَ تَكُنْ مّن الممترين} خطاب له صلى الله عليه وسلم، ولا يضر فيه استحالة وقوع الامتراء منه عليه الصلاة والسلام كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} [يونس: 105] بل قد ذكروا في هذا الأسلوب فائدتين.
إحداهما: أنه صلى الله عليه وسلم إذا سمع مثل هذا الخطاب تحركت منه الأريحية فيزداد في الثبات على اليقين نورًا على نور.
وثانيتهما: أن السامع يتنبه بهذا الخطاب على أمر عظيم فينزع وينزجر عما يورث الامتراء لأنه صلى الله عليه وسلم مع جلالته التي لا تصل إليها الأماني إذا خوطب بمثله فما يظن بغيره ففي ذلك زيادة ثبات له صلوات الله تعالى وسلامه عليه ولطفه بغيره، وجوز أن يكون خطابًا لكل من يقف عليه ويصلح للخطاب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الخطاب في {فلا تكن من الممترين} للنبيء صلى الله عليه وسلم والمقصود التعريض بغيره، والمعرَّض بهم هنا هم النصارى الممترُون الذين امتروا في الإلاهية بسبب تحقق أن لا أبَ لِعيسى. اهـ.

.قال ابن عطية:

ونهي النبي عليه السلام في عبارة اقتضت ذم الممترين، وهذا يدل على أن المراد بالامتراء غيره، ولو قيل: فلا تكن ممتريًا لكانت هذه الدلالة أقل، ولو قيل فلا تمتر لكانت أقل ونهي النبي عليه السلام عن الامتراء مع بعده عنه على جهة التثبيت والدوام على حاله. اهـ.

.قال الزمخشري:

ونهيه عن الامتراء وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون ممتريا من باب التهييج لزيادة الثبات والطمأنينة، وأن يكون لطفًا لغيره. اهـ.

.قال في روح البيان:

ولا يتصور كونه عليه السلام شاكا في صحة ما أنزل عليه والمعنى دم على يقينك وعلى ما أنت عليه من الاطمئنان على الحق والتنزه عن الشك فيه.
قال الإمام أبو منصور رحمه الله العصمة لا تزيل المحنة ولا ترفع النهى. اهـ.

.قال السعدي:

في هذه الآية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة وهو أن ما قامت الأدلة على أنه حق وجزم به العبد من مسائل العقائد وغيرها، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل، وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا فلا يوجب له عجزه عن حلها القدح فيما علمه، لأن ما خالف الحق فهو باطل، قال تعالى: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون ويرتبها المنطقيون، إن حلها الإنسان فهو تبرع منه، وإلا فوظيفته أن يبين الحق بأدلته ويدعو إليه. اهـ.

.قال البقاعي:

ذكر ما يحتاج إليه المفسرون- ويثمر إن شاء الله سبحانه وتعالى زيادة الإيقان لكل مسلم- من قصة عيسى عليه السلام في ولادته وما يتعلق بهذه السورة من مبدإ أمره ومنتهاه وبعض ما ظهر على يديه من الآيات ولسانه من الحكم المشيرة إلى أنه عبد الله ورسوله وغير ذلك من الأناجيل الأربعة التي في أيدي النصارى اليوم، وقد أدخلت كلام بعضهم في بعض وجمعت ما تفرق من المعاني في سياقاتهم بحيث صار الكل حديثًا واحدًا:
قال متى- ومعظم السياق له-: كتاب ميلاد يسوع المسيح بن داود بن ابراهيم عليهم الصلاة والسلام، ثم قال: لكل الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلًا، ومن داود إلى زربابل أربعة عشر جيلًا، ومن زربابل إلى المسيح أربعة عشر جيلًا؛ لما خطبت مريم أمه ليوسف قبل أن يفترقا وجدت حبلًا من روح القدس، وكان يوسف خطيبها صديقًا ولم يرد أن ينشرها، وهم بتخليتها سرًا، وفيما هو مفكر في هذا إذا ظهر له ملاك الرب في الحلم قائلًا: يا يوسف بن داود! لا تخف أن تأخذ مريم خطيبتك، فإن الذي تلده هو من روح القدس، وستلد ابنًا ويدعى اسمه يسوع، وهو يخلص شعبه من خطاياهم، هذا كله كان لكي يتم ما قيل من قبل الرب على لسان النبي القابل: ها هو ذا العذراء تحبل وتلد ابنًا، ويدعى اسمه عمانويل الذي تفسيره: الله معنا، فقام يوسف من النوم وصنع كما أمره ملاك الرب وأخذ مريم خطيبته ولم يعرفها حتى ولدت ابناه البكر، ودعي اسمه يسوع.
وفي إنجيل لوقا: ولما كان في تلك الأيام- أي أيام ولادة يحيى بن زكريا عليهم السلام- خرج أمر من أوغوسطوس قيصر بأن يكتب جميع المسكونة هذه الكتبة الأولى في ولاية فرسوس على الشام، فمضى جميعهم ليكتتب كل واحد منهم في مدينته، فصعد يوسف أيضا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم، لأنه كان من بيت داود وقبيلته ليكتتب مع مريم خطيبته وهي حبلى، فبينما هما هناك إذ تمت أيام ولادتها لتلد، فولدت ابنها البكر ولفته وتركته في مزود لأنه لم يكن لهما موضع حيث نزلا، وكان في تلك الكورة رعاة يسهرون لحراسة الليل نوبًا على مراعيهم، وإذا ملاك الرب قد وقف بهم ومجد الرب أشرق عليهم، فخافوا خوفًا عظيمًا، قال لهم الملاك: لا تخافوا الآن، هو ذا أبشركم بفرح عظيم يكون لكم ولجميع الشعوب، لأنه ولد لكم اليوم مخلص، الذي هو المسيح في مدينة داود، وهذه علامة لكم أنكم تجدون طفلًا ملفوفًا موضوعًا في مزود، وللوقت بغتة تراءى مع الملاك جنود كثيرة سماويون، يسبحون الله سبحانه وتعالى ويقولون: المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة؛ فلما صعد الملائكة إلى السماء قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض: امضوا بنا إلى بيت لحم لننظر الكلام الذي أعلمنا به الرب، فجاؤوا مسرعين فوجدوا مريم ويوسف والطفل موضوعًا في مزود؛ فلما رأوه علموا أن الكلام الذي قيل لهم عن الصبي حق، وكل من سمع تعجب مما تكلم به الرعاة، وكانت مريم تحفظ هذا الكلام كله وتقيه، ورجع الرعاة يمجدون الله سبحانه وتعالى ويسبحون على كل ما سمعوا وعاينوا كما قيل لهم.
ولما تمت ثمانية أيام أتوا به ليختن ودعوا اسمه يسوع كالذي دعاه الملاك قبل أن تحبل به في البطن، فلما كملت أيام تطهيرها- على ما في ناموس موسى- صعدوا به إلى يروشليم ليقيموه للرب، كما هو مكتوب في ناموس الرب أن كل ذكر فاتح رحم أمه يدعى قدوس الرب، ويقرب عنه- كما هو مكتوب في ناموس الرب- زوج يمام أو فرخا حمام؛ وكان إنسان بايروشليم اسمه شمعون، وكان رجلًا بارًا تقيًا، يرجو عز بني إسرائيل، وروح القدس كان عليه، وكان يوحى إليه من روح القدس أنه لا يموت حتى يعاين المسيح الرب، فأقبل بالروح إلى الهيكل عندما جاؤوا بالطفل يسوع ليصفى عنه كما يجب في الناموس، فحمله على ذراعه وبارك الرب قائلًا: الآن يا سيد! أطلق عبدك بسلام لكلامك، لأن عيني أبصرتك خلاصك الذي أعددت قدام جميع الشعوب، نور استعلن للأمم ومجد لشعبك إسرائيل، وكان يوسف وأمه يتعجبان مما يقال عنه، وباركهما شمعون وقال لمريم أمه: هوذا هذا موضوع لسقوط كثير وقيام كثير من بني إسرائيل.
وكانت حنة النبية ابنة فانوئل من سبط أشير قد طعنت في أيامها وأقامت مع زوجها سبعة وستين بعد بكوريتها، وترملت أربعة وثمانين عامًا غير مفارقة للهيكل عائدة للصّوم، وللطلبة ليلًا ونهارًا، وفي تلك الساعة جاءت قدامه معترفة لله وكانت تتكلم من أجله عند كل أحد، تترجى خلاص يروشليم، فلما أكملوا كل شيء على ما في ناموس الرب رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة، فأما الصبي فكان ينشأ ويتقوى بالروح ويمتلئ بالحكمة، ونعمة الله كانت عليه، وأبواه يمضيان إلى يروشليم في كل سنة في عيد الفصح.
وقال متى: فلما ولد يسوع في بيت لحم يهودا في أيام هيرودس الملك إذا مجوس وافوا من المشرق إلى يروشليم قائلين: أين هو المولود ملك اليهود لأنا رأينا نجمة في المشرق، ووافينا لنسجد له، فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجمع يروشليم وجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب واتسخبرهم: أين يولد المسيح؟ فقالوا له: في بيت لجحم أرض يهودا- كما هو مكتوب في النبي: وأنت يا بيت لحم أرض يهودا لست بصغيرة في ملوك يهود، يخرج منك مقدم، الذي يرعى شعب بني إسرائيل.
حينئذ دعا هيرودس والروم المجوس سرًا، وتحقق منهم الزمان الذي ظهر لهم فيه النجم وأرسلهم إلى بيت لحم قائلًا: امضوا فابحثوا عن الصبي باجتهاد، فإذا وجدتموه فأخبروني لآتي أنا وأسجد له، فلما سمعوا من الملك ذهبوا، وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يقدمهم حتى جاء ووقف حيث كان الصبي، فلما رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًا، وأتوا إلى البيت فرأوا الصبي، مع مريم أمه، فخروا له سجدًا وفتحوا أوعيتهم وقدموا له قرابين ذهبًا ولُبانًا ومُرًّا، وأنحى إليهم في الحلم أن لا يرجعوا إلى هيردوس، بل يذهبوا في طريق أخرى إلى كورتهم، فلام ذهبوا وإذ ملاك الرب تراءى ليوسف في الحلم قائلًا: قم، خذ الصبي وأمه واهرب إلى أرض مصر وكن هناك حتى أقول لك فإن هيردوس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي أمه ليلًا، ومضى إلى مصر وكان هناك إلى وفاة هيرودس، لكي يتم ما قيل من قبل الرب بالنبي القابل من مصر: دعوت ابني؛ حينئذ لما رأى هيرودس سخرية المجوس به غضب جدًا وأرسل، فقتل كل صبيان بيت لحم وكل تخومها من ابن سنتين فما دون، كنحو الزمان الذي تحقق عنده من المجوس، حينئذ تم ما قيل من أرميا النبي حيث يقول: صوت سمع في الزأمة، بكاء ونوح وعويل كثير، راحيل تبكي على بنيها ولا تريد أن تتعزى لفقدهم؛ فلما مات هيرودس ظهر ملاك الرب ليوسف في الحلم بمصر قائلًا: قم، خذ الصبي وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل؛ فما سمع أن أورشلاوش قد ملك على اليهودية عوض هيرودس أبيه خاف أن يذهب إلى هناك، فأخبر في الحلم وذهب إلى حور ناحية الجليل، فأتى وسكن في مدينة تدعى ناصرة لكي يتم ما قيل في الأنبياء: أنه يدعى ناصريا وفي إنجيل لوقا: فلما تمت له اثنتا عشرة سنة مضوا إلى يروشليم إلى العيد كالعادة، فلما كملت الأيام ليعودوا تخلف عنهما يسوع في يروشليم ولم تعلم أمه ويوسف، لأنهما كانا يظنان أنه مع السائرين في الطريق، فلما ساروا نحو يوم طلباه عند أقربائهما ومعارفهما فلم يجداه، فرجعا إلى يروشليم يطلبأنه، وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالسًا بين العلماء يسمع منهم ويسألهم، وكان كل من يسمعه مبهوتين من علمه وإجابته لهم، فلما أبصراه بهتا، فقالت له أمه: يا بني! ما هذا الذي صنعت بنا؟ إن أباك وأنا كنا نطلبك باجتهاد معذبين، فقال لهما: لم تطلباني؟ أما تعلمان أنه ينبغي أن أكون في الذي لأبي؟ فأما هما فلم يفهما الكلام ونزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان يطيعهما، فأما يسوع فكان ينشأ في قامته وفي الحكمة والنعمة عند الله والناس.
قال متى: وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية يهودا- إلى آخر ما تقدم آنفًا من بشارة يحيى عليه الصلاة والسلام به، ثم قال: حينئذ أتى يسوع من الجليل إلى الأردن ليعتمد من يوحنا، فامتنع يوحنا منه وقال: أنا المحتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إلي، فأجاب يسوع: دع الآن، هكذا يجب لنا أن نكمل كل البر، حينئذ تركه فاعتمد يسوع، وللوقت صعد من الماء فانفتحت له السماوات، ورأى روح الله نازلًا كمثل حمامة جائيًا إليه.
وقال مرقس: وكان تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل واصطنع في نهر الأردن من يوحنا، فساعة صعد من الماء رأى السماوات قد انشقت، وروح القدس كالحمامة نزلت عليه، وللوقت أخرجه الروح إلى البرية، وأقام بها أربعين يومًا وأربعين ليلة، وهو مع الوحوش، والملائكة تخدمه.
وقال متى: وصام أربعين يومًا وأربعين ليلة.
وقال لوقا: وكان لما اعتمد جميع الشعب واعتمد يسوع فبينما هو يصلي انفتحت السماء ونزل عليه روح القدس شبه جسد حمامة، وكان قد صار ليسوع ثلاثون سنة وكان يُظنّ أنه ابن يوسف وأن يسوع امتلأ من روح القدس ورجع من الأردن، فانطلق به الروح أربعين يومًا، لم يأكل شيئًا في تلك الأيام؛ ثم قال: ورجع يسوع إلى الجليل بقوة الروح وخرج خبره في كل الكورة، وكان يعلم في مجامعهم ويمجده كل أحد، وجاء إلى الناصرة حيث كان تربى ودخل كعادته إلى مجمعهم يوم السبت، وقام ليقرأ فدفع إليه سفر أشعيا النبي فلما فتح السفر وجد الموضع الذي فيه مكتوب: روح الرب عليّ، من أجل هذا مسحني وأرسلني لأبشر المساكين وأشفي منكسري القلوب وأبشر المأسورين بالتخلية والعميان بالنظر، وأرسل المربوطين بالتخلية، وأبشر بالسنة المقبولة للرب والأيام التي أعطانا إلهنا؛ ثم طوى السفر ودفعه إلى الخادم وجلس، وكل من كان في الجمع كانت عيونهم محدقة إليه، فبدأ يقول لهم: اليوم كمل هذا المكتوب بأسماعكم؛ وفي إنجيل يوحنا: إن يسوع قال: إن كنت أنا أشهد لنفسي فليست شهادتي حقًا، ولكن الذي يشهد لي بها حق، أنتم أرسلتم إليّ يوحنا فشهد لي بالحق، وأما أنا فلست أطلب شهادة من إنسان ولكني أقول هذا لتخلصوا أنتم، وأنا على أعظم من شهادة يوحنا لأن الأعمال التي أعملها تشهد من أجلي أن الرب أرسلني، والذي أرسلني قد شهد لي ولم تسمعوا قط صوته ولا عرفتموه ولا رأيتموه، وكلمته لا تثبت فيكم لأنكم لستم تؤمنون بالذي أرسل، فتشوا الكتب التي تظنون أن تكون لكم بها حياة الأبد فهي تشهد من أجلي، لست آخذ المجد من الناس أنا أتيت باسم أبي فلم تقبلوني، وإن أتاكم آخر باسم نفسه قبلتموه، كيف تقدرون أن تؤمنوا وإنما تقبلون المجد بعضكم، من بعض ولا تظنون أن المجد من الله تعالى الواحد، لا تظنوا أني أشكوكم، إن لكم من يشكوكم: موسى الذي عليه تتوكلون، فلو كنتم آمنتم بموسى آمنتم بي، لأن ذلك كتب من أجلي، وإن كنتم لا تؤمنون بكتب ذلك فكيف تؤمنون بكلامي- انتهى ما وقع الاختيار أخيرًا على إثباته هنا، وفيه من الألفاظ المنكرة في شرعنا إطلاق الأب والابن، وقد تقدم التنبيه على مثل ذلك. اهـ.